مختصر الرحيق المختوم %281%29 (PDF)




File information


Author: Sami Juma Al Shamsi

This PDF 1.5 document has been generated by Microsoft® Word 2013, and has been sent on pdf-archive.com on 03/10/2016 at 08:17, from IP address 62.149.x.x. The current document download page has been viewed 3309 times.
File size: 538.28 KB (48 pages).
Privacy: public file
















File preview


‫مختصر الرحيق المختوم‬
‫من سيرة النبي المعصوم صلى هللا عليه وسلم‬

‫الحمد هلل وكفى وسالم على عباده الذين اصطفى ثم أما بعد ‪ ,,,‬فهذا مختصر لسيرة الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫اختصرته من كتاب العالمة المباركفوري الرحيق المختوم أسأل هللا أن ينفع به ‪.‬‬

‫نسب النبي صلى هللا عليه وسلم وأسرته‬

‫وفيما يلى األجزاء الثالثة من نسبه الزكى صلى هللا عليه وسلم بالترتيب ‪:‬‬

‫الجزء األول ‪ :‬محمد بن عبد هللا بن عبد المطلب ـ واسمه َ‬
‫ش ْيبَة ـ بن هاشم ـ واسمه عمرو ـ بن عبد مناف ـ واسمه‬
‫المغيرة ـ بن ُق َ‬
‫ى ـ واسمه زيد ـ بن كِالب بن ُم َّرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن ف ِْهر ـ وهو الملقب بقريش وإليه‬
‫ص ّ‬
‫تنتسب القبيلة ـ بن مالك بن ال َّن ْ‬
‫ضر ـ واسمه قيس ـ بن كِنَانة بن ُ‬
‫خ َز ْيمَة بن ُم ْد ِركة ـ واسمه عامـر ـ بن إلياس بن‬
‫ُم َ‬
‫ضر بن نِزَار بن َم َع ّ‬
‫د بن عدنان‪.‬‬
‫م ْي َ‬
‫الجزء الثانى ‪ :‬ما فوق عدنان‪ ،‬وعدنان هو ابن ُأدَد بن ال َه َ‬
‫سع بن سالمان بن َع ْوص بن بوز بن قموال بن أبي بن‬
‫عوام بن ناشد بن حزا بن بلداس بن يدالف بن طابخ بن جاحم بن ناحش بن ماخى بن عيض بن عبقر بن عبيد بن‬
‫ح ْ‬
‫الدعا بن َ‬
‫مدان بن سنبر بن يثربى بن يحزن بن يلحن بن أرعوى بن عيض بن ديشان بن عيصر بن أفناد ابن أيهام‬
‫بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمى بن مزى بن عوضة بن عرام بن قيدار ابن إسماعيل بن إيراهيم عليهما‬
‫السالم‪.‬‬

‫الجزء الثالث ‪ :‬ما فوق إبراهيم عليه السالم‪ ،‬وهو ابن تارَح ـ واسمه آزر ـ بن ناحور بن ساروع ـ أو ساروغ ـ بن ر ُ‬
‫َاعو‬
‫خ بن أَ ْ‬
‫شالَخ بن أر َْف ْ‬
‫َتوشل َ‬
‫َ‬
‫خ َ‬
‫بن َفالَخ بن عابر بن َ‬
‫خ ُنوخ ـ يقال ‪ :‬هو‬
‫شد بن سام بن نوح عليه السالم بن المك بن م‬
‫إدريس النبي عليه السالم ـ بن يَرْد بن م َْهالئيل بن قينان بن أنُوش بن شِيث بن آدم ـ عليهما السالم‪.‬‬

‫المولد وأربعون عا ًما قبل النبوة‬

‫المولــد‬

‫ولـد سيـد المرسلـي ن صلى هللا عليه وسلم بشـعب بني هاشـم بمكـة في صبيحـة يــوم االثنين التاسع مـن شـهر‬
‫ربيـع األول‪ ،‬ألول عـام مـن حادثـة الفيـل‪ ،‬وروى ابــن سعــد أن أم رســول هللا صلى هللا عليه وسلم قالــت ‪ :‬لمــا‬
‫ولـدتــه خــرج مــن فرجـى نــور أضــاءت لـه قصـور الشام‪ .‬وروى أحمد والدارمى وغيرهمـا قريبـًا مـن ذلك‪ ,‬ولما‬

‫ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده‪،‬فجاء مستبشرًا ودخل به الكعبة‪ ،‬ودعا هللا وشكر له‪ .‬واختار‬
‫ً‬
‫معروفا في العرب ـ و َ‬
‫خ َتنَه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون‪.‬‬
‫له اسم محمد ـ وهذا االسم لم يكن‬
‫وأول من أرضعته من المراضع ـ وذلك بعد أمه صلى هللا عليه وسلم بأسبوع ـ ثُ َو ْيبَة موالة أبي لهب بلبن ابن لها يقال‬
‫له‪ :‬م ْ‬
‫َس ُروح‪ ،‬وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد األسد المخزومي‪.‬‬

‫في بني سعد‬

‫وكانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع ألوالدهم ابتعا ًدا لهم عن أمراض الحواضر؛ ولتقوى‬
‫أجسامهم‪ ،‬وتشتد أعصابهم‪ ،‬ويتقنوا اللسان العربى في مهدهم‪ ،‬فالتمس عبد المطلب لرسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم المراضع‪ ،‬واسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر‪ ،‬وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد هللا بن الحارث‪ ،‬وزوجها‬
‫الحارث ابن عبد العزى المكنى بأبي كبشة من نفس القبيلة ‪ ,‬وقد رأت حليمة من بركته صلى هللا عليه وسلم‬
‫الكثير ‪ ,‬من كثرة الخيرات والبركات التي لم ترها إلى بعد قدومه صلى هللا عليه وسلم عليها ‪ ,‬وظل عندها ‪ ,‬وفي‬
‫السنة الرابعة من مولده على قول المحققين وقع حادث شق صدره‪ ،‬روى مسلم عن أنس‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم أتاه جبريل‪ ،‬وهو يلعب مع الغلمان‪ ،‬فأخذه فصرعه‪ ،‬فشق عن قلبه‪ ،‬فاستخرج القلب‪ ،‬فاستخرج منه‬
‫علقة‪ ،‬فقال‪ :‬هذا حظ الشيطان منك‪ ،‬ثم غسله في طَ ْ‬
‫ست من ذهب بماء زمزم‪ ،‬ثم ألَمَه ـ أي جمعه وضم بعضه‬
‫إلى بع ض ـ ثم أعاده في مكانه‪ ،‬وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ـ يعنى ظئره ـ فقالوا‪ :‬إن محم ًدا قد قتل‪ ،‬فاستقبلوه‬
‫وهو ُم ْن َت ِق ُع اللون ـ أي متغير اللون ـ قال أنس‪ :‬وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره‪.‬‬

‫وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه‪ ،‬فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين‪ ,‬ورأت آمنة ـ وفاء‬
‫لذكرى زوجها الراحل ـ أن تزور قبره بيثرب‪ ،‬فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ نحو خمسمائة كيلو متر ومعها ولدها‬
‫اليتيم ـ محمد صلى هللا عليه وسلم ـ وخادمتها أم أيمن‪ ،‬وقيمها عبد المطلب‪ ،‬فمكثت شهرًا ثم قفلت‪ ،‬وبينما هي‬
‫راجعة إذ لحقها المرض في أوائل الطريق‪ ،‬ثم اشتد حتى ماتت باأل ْبوَاء بين مكة والمدينة‪.‬‬
‫وعاد به عبد المطلب إلى مكة‪ ،‬وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم الذي أصيب بمصاب جديد نَ َ‬
‫كأ‬
‫الجروح القديمة‪َ ،‬فر َّ‬
‫َق عليه رقة لم يرقها على أحد من أوالده‪ ،‬فكان ال يدعه لوحدته المفروضة‪ ،‬بل يؤثره على‬
‫أوالده‪ ،‬قال ابن هشام‪ :‬كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة‪ ،‬فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى‬
‫ً‬
‫إجالال له‪ ،‬فكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يأتى وهو غالم جفر حتى‬
‫يخرج إليه‪ ،‬ال يجلس عليه أحد من بنيه‬
‫يجلس عليه‪ ،‬فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه‪ ،‬فيقول عبد المطلب إذا رأي ذلك منهم‪ :‬دعوا ابني هذا‪ ،‬فوهللا إن له‬
‫لشأنًا‪ ،‬ثم يجلس معه على فراشه‪ ،‬ويمسح ظهره بيده‪ ،‬ويسره ما يراه يصنع‪.‬‬

‫ولثمانى سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى هللا عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة‪ ،‬ورأي قبل‬
‫وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه‪ .‬ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه‪،‬‬

‫وضمه إلى ولده وقدمه عليهم واختصه بفضل احترام وتقدير‪ ،‬وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه‪ ،‬ويبسط عليه‬
‫حمايته‪ ،‬ويصادق ويخاصم من أجله ‪,‬‬

‫بَحِيرَى الراهب‬

‫ولما بلغ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اثنتى عشرة سنة ـ قيل‪ :‬وشهرين وعشرة أيام ـ ارتحل به أبو طالب تاجرًا‬
‫صرَى ـ وهي معدودة من الشام‪َ ،‬‬
‫صبَة ل ُ‬
‫إلى الشام‪ ،‬حتى وصل إلى ُب ْ‬
‫وق َ‬
‫حورَان‪ ،‬وكانت في ذلك الوقت قصبة للبالد‬
‫العربية التي كانت تحت حكم الرومان‪ .‬وكان في هذا البلد راهب عرف بَبحِيرَى‪ ،‬واسمه ـ فيما يقال‪ :‬جرجيس‪ ،‬فلما‬
‫نزل الركب خرج إليهم‪ ،‬وكان ال يخرج إليهم قبل ذلك‪ ،‬فجعل يتخلّلهم حتى جاء فأخذ بيد رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وقال‪ :‬هذا سيد العالمين‪ ،‬هذا رسول رب العالمين‪ ،‬هذا يبعثه هللا رحمة للعالمين‪ .‬فقال له [أبو طالب و]‬
‫أشياخ قريش‪[ :‬و] ما علمك [بذلك]؟ فقال‪ :‬إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر وال شجر إال خر ساج ًدا‪ ،‬وال‬
‫يسجدان إال لنبى‪ ،‬وإنى أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة‪[ ،‬وإنا نجده في كتبنا]‪ ،‬ثم أكرمهم‬
‫ً‬
‫خوفا عليه من الروم واليهود‪ ،‬فبعثه عمه مع بعض‬
‫بالضيافة‪ ،‬وسأل أبا طالب أن يرده‪ ،‬وال يقدم به إلى الشام؛‬
‫غلمانه إلى مكة‪.‬‬

‫حياة الكدح‬

‫ولم يكن له صلى هللا عليه وسلم عمل معين في أول شبابه‪ ،‬إال أن الروايات توالت أنه كان يرعى غن ً‬
‫ما‪ ،‬رعاها في‬
‫بني سعد‪ ،‬وفي مكة ألهلها على قراريط‪ ،‬ويبدو أنه انتقل إلى عمل التجارة حين شب‪،‬فقد ورد أنه كان يتجر مع‬
‫السائب بن أبي السائب المخزومي فكان خير شريك له‪ ،‬ال يدارى وال يمارى‪ ،‬وجاءه يوم الفتح فرحب به‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫مرحبًا بأخي وشريكي‪.‬‬

‫وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجرًا إلى الشام في مال خديجة رضي هللا عنها قال ابن إسحاق‪ :‬كانت‬
‫خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال‪ ،‬تستأجر الرجال في مالها‪ ،‬وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم‪ ،‬وكانت‬
‫قريش قو ًما تجارًا‪ ،‬فلما بلغها عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه‪ ،‬وعظم أمانته وكرم‬
‫أخالقه بعثت إليه‪ ،‬فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا‪ ،‬وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من‬
‫التجار‪ ،‬مع غالم لها يقال له‪ :‬ميسرة‪ ،‬فقبله رسول هللا صلى هللا عليه وسلم منها‪ ،‬وخرج في مالها ذلك‪ ،‬وخرج معه‬
‫غالمها ميسرة حتى قدم الشام‪.‬‬

‫زواجه بخديجة‬

‫ولما رجع إلى مكة‪ ،‬ورأت خديجة في مالها من األمانة والبركة ما لم تر قبل هذا‪ ،‬وأخبرها غالمها ميسرة بما رأي‬
‫فيه صلى هللا عليه وسلم من خالل عذبة‪ ،‬وشمائل كريمة‪ ،‬وفكر راجح‪ ،‬ومنطق صادق‪ ،‬ونهج أمين‪ ،‬وجدت ضالتها‬

‫المنشودة ـ وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبي عليهم ذلك ـ فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها‬
‫نفيسة بنت منبه‪ ،‬وهذه ذهبت إليه صلى هللا عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة‪ ،‬فرضى بذلك‪ ،‬وكلم أعمامه‪،‬‬
‫فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه‪ ،‬وعلى إثر ذلك تم الزواج‪ ،‬وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر‪ ،‬وذلك بعد‬
‫رجوعه من الشام بشهرين‪ ،‬وأصدقها عشرين ب َْكرة‪ .‬وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة‪ ،‬وكانت يومئذ أفضل نساء‬
‫ً‬
‫وعقال‪ ،‬وهي أول امرأة تزوجها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ولم يتزوج عليها غيرها حتى‬
‫قومها نسبًا وثروة‬
‫ماتت‪.‬‬
‫وكل أوالده صلى هللا عليه وسلم منها سوى إبراهيم‪،‬ولدت له‪ً :‬‬
‫أوال القاسم ـ وبه كان يكنى ـ ثم زينب‪ ،‬ورقية‪ ،‬وأم‬
‫كلثوم‪ ،‬وفاطمة‪ ،‬وعبد هللا ‪ .‬وكان عبد هللا يلقب بالطيب والطاهر‪ ،‬ومات بنوه كلهم في صغرهم‪ ،‬أما البنات فكلهن‬
‫أدركن اإلسالم فأسلمن وهاجرن‪،‬إال أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى هللا عليه وسلم سوى فاطمة رضي هللا‬
‫عنها‪ ،‬فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به‪.‬‬

‫فأوشكت الكعبة منه على االنهيار‪ ،‬فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حر ً‬
‫صا على مكانتها‪ ،‬واتفقوا على أال يدخلوا‬
‫في بنائها إال طيبًا‪ ،‬فال يدخلون فيها مهر بغى وال بيع ربًا وال مظلمة أحد من الناس‪ ،‬وكانوا يهابون هدمها‪ ،‬فابتدأ بها‬
‫الوليد بن المغيرة المخزومى‪ ،‬فأخذ المعول وقال‪ :‬هللا م ال نريد إال الخير‪ ،‬ثم هدم ناحية الركنين‪ ،‬ولما لم يصبه شيء‬
‫تبعه الناس في الهدم في اليوم الثاني‪ ،‬ولم يزالوا في الهدم حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم‪ ،‬ثم أرادوا األخذ في‬
‫البناء فجزأوا الكعبة‪ ،‬وخصصوا لكل قبيلة جز ًءا منها‪ .‬فجمعت كل قبيلة حجارة على حدة‪ ،‬وأخذوا يبنونها‪ ،‬وتولى البناء‬
‫بناء رومي اسمه‪ :‬باقوم‪ .‬ولما بلغ البنيان موضع الحجر األسود اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه‪ ،‬واستمر‬
‫ً‬
‫خمسا‪ ،‬واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم‪ ،‬إال أن أبا أمية بن المغيرة‬
‫النزاع أربع ليال أو‬
‫المخزومى عر ض عليهم أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد فارتضوه‪ ،‬وشاء هللا أن يكون‬
‫ذلك رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فلما رأوه هتفوا‪ :‬هذا األمين‪ ،‬رضيناه‪ ،‬هذا محمد‪ ،‬فلما انتهى إليهم‪ ،‬وأخبروه‬
‫الخبر طلب رداء فوضع الحجر وسطه وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جمي ًعا بأطراف الرداء‪ ،‬وأمرهم‬
‫أن يرفعوه‪ ،‬حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه‪ ،‬وهذا حل حصيف رضى به القوم‪.‬‬

‫في ظالل النبوة والرسالة‬

‫النبــوة والدعــوة ‪ -‬العهـد المكـي‬

‫تنقسم حياة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعد أن شرفه هللا بالنبوة والرسالة إلى عهدين يمتاز أحدهما عن‬
‫اآلخـر تمـام االمتياز‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ العهد المكي‪ ،‬ثالث عشرة سنة تقريبًا‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ العهد المدني‪ ،‬عشر سنوات كاملة‪.‬‬

‫ويمكن تقسيم العهد المكي إلى ثالث مراحل‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ مرحلة الدعوة السرية‪ ،‬ثالث سنوات‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ مرحلة إ عالن الدعوة في أهل مكة‪ ،‬من بداية السنة الرابعة من النبوة إلى هجرته صلى هللا عليه وسلم إلى‬
‫المدينة‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ مرحلة الدعوة خارج مكة وفشوها فيهم‪ ،‬من أواخر السنة العاشرة من النبوة‪ .‬وقد شملت العهد المدني وامتدت‬
‫إلى آخر حياته صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫جبريل ينزل بالوحي‬

‫لما كان رمضان من السنة الثالثة من عزلته صلى هللا عليه وسلم بحراء شاء هللا أن يفيض من رحمته على أهل‬
‫األرض‪ ،‬فأكرمه بالنبوة‪ ،‬وأنزل إليه جبريل بآيات من القرآن‪.‬‬

‫أول ما بديء به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم‪ ،‬فكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل‬
‫َفلَق الصبح‪ ،‬ثم ُ‬
‫ح ِب ّبَ إليه الخالء‪ ،‬وكان يخلو بغار حراء‪ ،‬فيَ َت َ‬
‫ح َّنث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع‬
‫إلى أهله‪ ،‬ويتزود لذلك‪ ،‬ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها‪ ،‬حتى جاءه الحق وهو في غار حراء‪ ،‬فجاءه الملك فقال‪:‬‬
‫اقرأ‪ :‬قال‪( :‬ما أنا بقارئ)‪ ،‬قال‪( :‬فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد‪ ،‬ثم أرسلنى‪ ،‬فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬قلت‪ :‬مـا أنـا‬
‫بقـارئ‪ ،‬قـال‪ :‬فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلـغ منـى الجهد‪ ،‬ثم أرسلني فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أنا بقارئ‪ ،‬فأخذني‬
‫ِن َعلَق ْ‬
‫فغطني الثالثة‪ ،‬ثـم أرسلـني فـقـال‪ْ { :‬‬
‫ك ْ‬
‫نس َ‬
‫ان م ْ‬
‫اقر َْأ بِ ْ‬
‫خلَ َ‬
‫ق َ‬
‫خلَ َ‬
‫ك الَّذِي َ‬
‫اقر َْأ َورَبُّ َ‬
‫اإل َ‬
‫م َربِّ َ‬
‫األ َ ْك َر ُم}[العلق‪:1:‬‬
‫اس ِ‬
‫ق ِْ‬
‫ٍ‬
‫‪ ،)]3‬فرجع بها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يرجف فؤاده‪ ،‬فدخل على خديجة بنت خويلد فقال‪َ ( :‬ز ّمِلُونى‬
‫زملونى)‪ ،‬فزملوه حتى ذهب عنه الروع‪ ،‬فقال لخديجة‪( :‬ما لي؟) فأخبرها الخبر‪( ،‬لقد خشيت على نفسي)‪،‬‬
‫فقالت خديجة‪ :‬كال‪ ،‬وهللا ما يخزيك هللا أب ًدا‪ ،‬إنك لتصل الرحم‪ ،‬وتحمل الكل‪ ،‬وتكسب المعدوم‪ ،‬وتقرى الضيف‪ ،‬وتعين‬
‫على نوائب الحق‪ ،‬فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ـ وكان‬
‫امرأ تنصر في الجاهلية‪ ،‬وكان يكتب الكتاب العبرانى‪ ،‬فيكتب من اإلنجيل بالعبرانية ما شاء هللا أن يكتب‪ ،‬وكان شي ً‬
‫خا‬
‫كبيرًا قد عمي ـ فقالت له خديجة‪ :‬يابن عم‪ ،‬اسمع من ابن أخيك‪ ،‬فقال له ورقة‪ :‬يابن أخي‪ ،‬ماذا ترى؟ فأخبره‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم خبر ما رأي‪ ،‬فقال له ورقة‪ :‬هذا الناموس الذي نزله هللا على موسى‪ ،‬يا ليتني‬
‫فيها َ‬
‫ي هم؟) قال‪:‬نعم‪،‬‬
‫ج َذعا‪ ،‬ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومك‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬أو مخرج ّ‬
‫ب ورقة أن توفي‪َ ،‬‬
‫ش ْ‬
‫لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إال ُعو ِدىَ ‪ ،‬وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا‪ ،‬ثم لم يَ ْن َ‬
‫وفتَر‬
‫الوحى‪.‬‬

‫جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية‬

‫قال ابن حجر‪ :‬وكان ذلك [أي انقطاع الوحي أيا ًما]؛ ليذهب ما كان صلى هللا عليه وسلم وجده من الروع‪ ،‬وليحصل‬
‫له التشوف إلى العود‪ ،‬فلما حصل له ذلك وأخذ يرتقب مجىء الوحى أكرمه هللا بالوحي مرة ثانية‪ .‬قال‪ :‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫(جاورت بحراء شهرًا فلما قضيت جوارى هبطت [فلما استبطنت الوادي] فنوديت‪ ،‬فنظرت عن يميني فلم أر شي ًئا‪،‬‬
‫ونظرت عن شمالي فلم أر شي ًئا‪ ،‬ونظرت أمامي فلم أر شيئا‪ ،‬ونظرت خلفي فلم أرشي ًئا‪ ،‬فرفعت رأسى فرأيت‬
‫جئ ِْث ُ‬
‫شي ًئا‪[ ،‬فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء واألرض‪َ ،‬ف ُ‬
‫ت منه رعبًا حتى هويت إلى‬
‫األرض] فأتيت خديجة فقلت‪[ :‬زملوني‪ ،‬زملوني]‪ ،‬دثرونى‪ ،‬وصبوا على ماء بار ًدا)‪ ،‬قال‪( :‬فدثرونى وصبوا على ماء‬
‫ه ْر و ُّ‬
‫ج َز َف ْ‬
‫اه ُ‬
‫بار ًدا‪ ،‬فنزلت‪{ :‬يَا أَيُّهَا ْال ُ‬
‫َالر ْ‬
‫م َّدثِ ّ ُر ُق ْ‬
‫ك َفطَ ِّ‬
‫ك َف َك ِب ّ ْر َوثِيَابَ َ‬
‫م َفأَن ِذ ْر َو َربَّ َ‬
‫ج ْر} [المدثر‪ )]5 :1 :‬وذلك قبل أن تفرض‬
‫الصالة‪ ،‬ثم حمى الوحى بعد وتتابع‪.‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬من جهاد الدعوة إلى هللا‬

‫ثالث سنوات من الدعوة السرية‬

‫قام رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعد نزول ما تقدم من آيات سورة المدثر‪ ،‬بالدعوة إلى هللا سبحانه وتعالى؛‬
‫وحيث إن قومه كانوا جفاة ال دين لهم إال عبادة األصنام واألوثان‪ ،‬وال حجة لهم إال أنهم ألفوا آباءهم على ذلك‪ ،‬وال‬
‫أخالق لهم إال األخذ بالعزة واألنفة‪ ،‬وال سبيل لهم في حل المشاكل إال السيف‪ ،‬وكانوا مع ذلك متصدرين للزعامة‬
‫الدينية في جزيرة العرب‪ ،‬ومحتلين مركزها الرئيس‪ ،‬ضامنين حفظ كيانها‪ ،‬فقد كان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون‬
‫الدعوة في بدء أمرها سرية؛ لئال يفاجئ أهل مكة بما يهيجهم‪.‬‬

‫الرعيل األول‬
‫وكان من الطبيعى أن يعرض الرسول صلى هللا عليه وسلم اإلسالم ً‬
‫أوال على ألصق الناس به من أهل بيته‪،‬‬
‫وأصدقائه‪ ،‬فدعاهم إلى اإلسالم‪ ،‬ودعا إليه كل من توسم فيه الخير ممن يعرفهم ويعرفونه‪ ،‬يعرفهم بحب الحق‬
‫والخير‪ ،‬ويعرفونه بتحرى الصدق والصالح‪ ،‬فأجابه من هؤالء ـ الذين لم تخالجهم ريبة قط في عظمة الرسول صلى‬
‫م ٌ‬
‫ج ْ‬
‫هللا عليه وسلم وجاللة نفسه وصدق خبره ـ َ‬
‫ع ُعرِفوا في التاريخ اإلسالمى بالسابقين األولين‪ ،‬وفي مقدمتهم‬
‫زوجة النبي صلى هللا عليه وسلم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد‪ ،‬ومواله زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وابن‬
‫عمه علي بن أبي طالب ـ وكان صبيًا يعيش في كفالة الرسول صلى هللا عليه وسلم ـ وصديقه الحميم أبو بكر‬
‫الصديق‪ .‬أسلم هؤالء في أول يوم الدعوة‪.‬‬

‫ً‬
‫رجال وامرأة‪ ،‬ولكن ال‬
‫ويظهر بعد التتبع واالستقراء أن عدد الموصوفين بالسبق إلى اإلسالم وصل إلى مائة وثالثين‬
‫يعرف بالضبط أنهم كلهم أسلموا قبل الجهر بالدعوة أو تأخر إسالم بعضهم إلى الجهر بها‪.‬‬

‫الصالة‬

‫ومن أوائل ما نزل من األحكام األمر بالصالة‪ ،‬قال ابن حجر‪ :‬كان صلى هللا عليه وسلم قبل اإلسراء يصلى قط ًعا‬
‫وكذلك أصحابه‪ ،‬ولكن اختلف هل فرض شىء قبل الصلوات الخمس من الصلوات أم ال؟ فقيل‪ :‬إن الفرض كانت صالة‬
‫ً‬
‫موصوال عن زيد ابن‬
‫هي َعة‬
‫قبل طلوع الشمس وقبل غروبها‪ .‬انتهي‪ .‬وروى الحارث بن أبي أسامة من طريق ابن لَ ِ‬
‫حارثة‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في أول ما أوحى إليه أتاه جبريل‪ ،‬فعلمه الوضوء‪ ،‬فلما فرغ من الوضوء‬
‫أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه‪ ،‬وقد رواه ابن ماجه بمعناه‪ ،‬وروى نحوه عن البراء بن عازب وابن عباس‪ ،‬وفي‬
‫حديث ابن عباس‪ :‬وكان ذلك من أول الفريضة‪.‬‬

‫تلك هي العبادة التي أمر بها المؤمنون‪ ،‬وال تعرف لهم عبادات وأوامر ونواه أخرى غير ما يتعلق بالصالة‪ ،‬وإنما كان‬
‫الوحى يبين لهم جوانب شتى من التوحيد‪ ،‬ويرغبهم في تزكية النفوس‪ ،‬ويحثهم على مكارم األخالق‪ ،‬ويصف لهم‬
‫الجنة والنار كأنهما رأي عين‪ ،‬ويعظهم بمواعظ بليغة تشرح الصدور وتغذى األرواح‪ ،‬وتحدو بهم إلى جو آخر غير الذي‬
‫كان فيه المجتمع البشرى آنذاك‪.‬‬

‫وهكذا مرت ثالثة أعوام‪ ،‬والدعوة لم تزل مقصورة على األفراد‪ ،‬ولم يجهر بها النبي صلى هللا عليه وسلم في‬
‫المجامع والنوادى‪.‬‬

‫المرحلـة الثانية‪ :‬الدعــوة جهــارًا‬
‫ك ْ‬
‫وأول ما نزل بهذا الصدد قوله تعالى‪{ :‬وَأَن ِذ ْر َعشِي َرتَ َ‬
‫األ َ ْق َربِينَ } [الشعراء‪،]212:‬‬

‫الدعـوة في األقربين‬

‫ودعا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عشيرته بني هاشم بعد نزول هذه اآلية‪ ،‬فجاءوا ومعهم نفر من بني المطلب‬
‫ً‬
‫رجال وقد بادره عمه أبو لهب بالرفض‪ ,‬بينما تعهد أوبو طالب بحمايته صلى‬
‫بن عبد مناف‪ ،‬فكانوا نحو خمسة وأربعين‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫على جبل الصفا‬

‫وبعد تأكد النبي صلى هللا عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه‪ ،‬صعد النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم ذات يوم على الصفا‪ ،‬فعال أعالها حجرًا‪ ،‬ثم هتف‪( :‬يا صباحاه) ‪ ,‬ثم جعل ينادى بطون قريش‪ ،‬ويدعوهم قبائل‬
‫قبائل ثم دعاهم إلى الحق‪ ،‬وأنذرهم من عذاب هللا ‪ ،‬فخص وعم فقال‪(:‬يا معشر قريش‪ ،‬اشتروا أنفسكم من هللا ‪،‬‬
‫أنقذوا أنفسكم من النار‪ ،‬فإنى ال أملك لكم من هللا ضرًا وال نف ًعا‪ ،‬وال أغنى عنكم من هللا شي ًئافاعترضه أبو لهب‬
‫فتولت فيه سورة المسد‪.‬‬
‫صد ْ‬
‫َع بِمَا تُ ْؤ َم ُر وَأَ ْع ِر ْ‬
‫ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى‪َ { :‬فا ْ‬
‫ن‬
‫ض َع ِ‬
‫ْال ُ‬
‫م ْ‬
‫ش ِركِينَ } [الحجر‪ ، ]42:‬فقام رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يجهر بالدعوة إلى اإلسالم في مجامع المشركين‬
‫اع ُب ُد ْ‬
‫م ْ‬
‫وا هللا َ مَا لَ ُكم ّم ْ‬
‫ه‬
‫ِن إِلَـ ٍ‬
‫ونواديهم‪ ،‬يتلو عليهم كتاب هللا ‪ ،‬ويقول لهم ما قالته الرسل ألقوامهم‪{ :‬يَا َق ْو ِ‬
‫َغ ْي ُر ُه} [األعراف‪،]54:‬وبدء يعبد هللا تعالى أمام أعينهم‪ ،‬فكان يصلى بفناء الكعبة نهارًا جهارًا وعلى رءوس األشهاد‪.‬‬

‫ً‬
‫قريشا أمر آخر‪،‬وذلك أن الجهر بالدعوة لم يمض عليه إال أيام أو أشهر معدودة حتى قرب‬
‫وخالل هذه األيام أهم‬
‫موسم الحج‪ ،‬وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم‪ ،‬فرأت أنه البد من كلمة يقولونها للعرب‪ ،‬في شأن محمد‬
‫صلى هللا عليه وسلم حتى ال يكون لدعوته أثر في نفوس العرب‪ ،‬فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة يتداولون في تلك‬
‫الكلمة‪ ،‬فقال لهم الوليد‪ :‬أجمعوا فيه رأيـًا واح ًدا‪ ,‬فبعضهم قال نقول إنه ساحر وبعضهم قال نقول شاعر وبعضهم قال‬
‫نقول مجنون فرد عليهم الوليد قائال ً ‪ :‬وهللا إن لقوله لحالوة‪[ ،‬وإن عليه لطالوة] وإن أصله ل َع َذق‪ ،‬وإن َف ْر َعه ل َ‬
‫جنَاة‪ ،‬وما‬
‫أنتم بقائلين من هذا شي ًئا إال عرف أنه باطل‪ ،‬وإن أقرب القول فيه ألن تقولوا‪ :‬ساحر‪ .‬جاء بقول هو سحر‪ ،‬يفرق به‬
‫بين المرء وأبيه‪ ،‬وبين المرء وأخيه‪ ،‬وبين المرء وزوجته‪ ،‬وبين المرء وعشيرته‪ ،‬فتفرقوا عنه بذلك‪,‬أما رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم فخرج يتبع الناس في منازلهم وفي ُع َ‬
‫ج َّنة وذى ال َ‬
‫كاظ و َم َ‬
‫مجَاز‪ ،‬يدعوهم إلى هللا ‪ ،‬وأبو لهب وراءه‬
‫يقول‪ :‬ال تطيعوه فإنه صابئ كذاب‪ ,‬وأدى ذلك إلى أن صدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم وانتشر ذكره في بالد العرب كلها‪.‬‬

‫أساليب شتى لمجابهة الدعوة‬

‫ولما فرغت قريش من الحج فكرت في أساليب تقضى بها على هذه الدعوة في مهدها‪ .‬وتتلخص هذه األساليب‬
‫فيما يلي‪:‬‬

‫‪1‬ـ السخرية والتحقير‪ ،‬واالستهزاء والتكذيب والتضحيك‪ :‬قصدوا بها تخذيل المسلمين‪ ،‬وتوهين قواهم المعنوية‪ ،‬فرموا‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم بتهم هازلة‪ ،‬وشتائم سفيهة‪ ،‬فكانوا ينادونه بالمجنون ويصمونه بالسحر والكذب وكانوا‬
‫ضح ُ‬
‫ج َر ُموا َكانُ ْ‬
‫يشيعونه ويستقبلونه بنظرات ملتهمة ناقمة وكانوا كما قص هللا علينا {إ َّ‬
‫وا ِمنَ الَّ ِذينَ آ َم ُنوا يَ ْ‬
‫َك َ‬
‫ن الَّ ِذينَ أَ ْ‬
‫ون‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫م َقالُوا إ َّ‬
‫ْ‬
‫ون وَإ َذا ان َقلَ ُب ْ‬
‫ْ‬
‫ِهينَ وَإِ َذا رَأَ ْو ُ‬
‫ضال َ‬
‫وا إِلَى أَ ْ‬
‫ه ُؤ َالء لَ َ‬
‫ِه ُ‬
‫ه ْ‬
‫ه ْ‬
‫ه ْ‬
‫ن َ‬
‫م‬
‫ون َومَا أ ْرسِلوا َعلَ ْي ِ‬
‫ِ‬
‫م ان َقلَ ُبوا َفك ِ‬
‫هل ِ‬
‫م يَ َت َغا َم ُز َ ِ‬
‫وَإِ َذا م َُّروا بِ ِ‬
‫ظينَ } [المطففين‪.]33 :24 :‬‬
‫حَافِ ِ‬

‫‪2‬ـ إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة‪:‬‬

‫وقد أكثروا من ذلك وتفننوا فيه بحيث ال يبقى لعامة الناس مجال للتدبر في دعوته والتفكير فيها‪ ،‬فكانوا يقولون عن‬
‫َل ْ‬
‫ض َغ ُ‬
‫القرآن‪{ :‬أَ ْ‬
‫اث أَ ْ‬
‫اف َترَا ُه} من عند نفسه‬
‫حال َ ٍ‬
‫م} [األنبياء‪ ]5:‬يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار‪ ،‬ويقولون‪{ :‬ب ِ‬
‫ك ْ‬
‫خ ُر َ‬
‫ه َق ْو ٌ‬
‫ه َذا إِ َّال إِ ْف ٌ‬
‫ويقولون‪{ :‬إِنَّمَا ُي َع ِل ّ ُ‬
‫مآ َ‬
‫َش ٌر} وقالوا‪{ :‬إِ ْن َ‬
‫م ُه ب َ‬
‫ون} [الفرقان‪ ]2 :‬أي اشترك هو‬
‫اف َترَا ُه وَأَ َعانَ ُه َعلَ ْي ِ‬
‫األ َ َّولِينَ ْ‬
‫ساطِي ُر ْ‬
‫ه ُب ْك َر ًة وَأَص ً‬
‫وزمالؤه في اختالقه‪{ .‬و ََقالُوا أَ َ‬
‫ِيال} [الفرقان‪]5:‬‬
‫ي ُت ْملَى َعلَ ْي ِ‬
‫ه َ‬
‫اك َت َتبَهَا َف ِ‬
‫ه ْ‬
‫وأحيانا قالوا‪ :‬إن له ج ًنا أو شيطانًا يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان‪ .‬قال تعالى ر ًدا عليهم‪َ { :‬‬
‫ل‬
‫ل أَ َّفا ٍ َ‬
‫َّ‬
‫ِين تَ َن َّز ُ‬
‫الشيَاط ُ‬
‫م َعلَى مَن تَ َن َّز ُ‬
‫ُأنَ ِب ّ ُئ ُك ْ‬
‫ل َعلَى ُك ِ ّ‬
‫ِيم} ومعظم شبهتهم كانت تدور حول التوحيد‪ ،‬ثم رسالة‬
‫ل‬
‫ك أث ٍ‬
‫محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ثم بعث األموات ونشرهم وحشرهم يوم القيامة‪ ،‬وقد رد القرآن على كل شبهة من‬
‫شبهاتهم حول التوحيد‪ ،‬بل زاد عليها زيادات أوضح بها هذه القضية من كل ناحية‪ ،‬وبين عجز آلهتهم عج ًزا ال مزيد‬
‫عليه‪ ،‬ولعل هذا كان مثار غضبهم واستنكارهم الذي أدى إلى ما أدى إليه‪ .‬أما شبهاتهم في رسالة النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم فإنهم مع اعترافهم بصدق النبي صلى هللا عليه وسلم وأمانته وغاية صالحه وتقواه‪ ،‬كانوا يعتقدون أن‬
‫ً‬
‫رسوال‪ ،‬والرسول ال يكون بشرًا حسب‬
‫منصب النبوة والرسالة أجل وأعظم من أن يعطى لبشر‪ ،‬فالبشر ال يكون‬
‫عقيدتهم‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ الحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن‪ ،‬ومعارضته بأساطير األولين‪:‬‬

‫فكانوا يطردون الناس ويثيرون الشغب والضوضاء ويتغنون ويلعبون‪ ،‬إذا رأوا أن النبي صلى هللا عليه وسلم يتهيأ‬
‫م ُعوا لِ َه َذا ْال ُق ْرآنِ و ْ‬
‫ه لَ َعلَّ ُك ْ‬
‫ل الَّ ِذينَ َك َف ُروا َال تَ ْ‬
‫س َ‬
‫للدعوة‪ ،‬أو إذا رأوه يصلى ويتلو القرآن‪ .‬قال تعالى‪{ :‬و ََقا َ‬
‫م‬
‫َال َغ ْوا فِي ِ‬
‫تَ ْغلِ ُب َ‬
‫ون} [فصلت‪ ]22:‬حتى إن النبي صلى هللا عليه وسلم لم يتمكن من تالوة القرآن عليهم في مجامعهم ونواديهم‬
‫إال في أواخر السنة الخامسة من النبوة‪ ،‬وذلك أي ً‬
‫ضا عن طريق المفاجأة‪ ،‬دون أن يشعروا بقصده قبل بداية التالوة‪.‬‬

‫االضطهادات‬
‫أعمل المشركون األساليب التي ذكرناها شي ًئا فشي ًئا إلحباط الدعوة بعد ظهورها في بداية السنة الرابعة من‬
‫النبوة‪ ،‬ومضت على ذلك أسابيع وشهور وهم مقتصرون على هذه األساليب ال يتجاوزونها إلى طريق االضطهاد‬
‫والتعذيب‪ ،‬ولكنهم لما رأوا أن هذه األساليب لم تجد نف ًعا في إحباط الدعوة اإلسالمية استشاروا فيما بينهم‪ ،‬فقرروا‬
‫القيام بتعذيب المسلمين وفتنتهم عن دينهم‪ ،‬فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته باإلسالم‪ ،‬وانقض كل سيد‬
‫على من اختار من عبيده طريق اإليمان‪.‬‬
‫ً‬
‫سهال ميسورًا بالنسبة‬
‫والحاصل أنهم لم يعلموا بأحد دخل في اإلسالم إال وتصدوا له باألذى والنكال‪ ،‬وكان ذلك‬
‫لضعفاء المسلمين‪ ،‬وال سيما العبيد واإلماء منهم‪ ،‬فلم يكن من يغضب لهم ويحميهم‪ ،‬بل كانت السادة والرؤساء هم‬






Download مختصر الرحيق المختوم %281%29



مختصر الرحيق المختوم %281%29.pdf (PDF, 538.28 KB)


Download PDF







Share this file on social networks



     





Link to this page



Permanent link

Use the permanent link to the download page to share your document on Facebook, Twitter, LinkedIn, or directly with a contact by e-Mail, Messenger, Whatsapp, Line..




Short link

Use the short link to share your document on Twitter or by text message (SMS)




HTML Code

Copy the following HTML code to share your document on a Website or Blog




QR Code to this page


QR Code link to PDF file مختصر الرحيق المختوم %281%29.pdf






This file has been shared publicly by a user of PDF Archive.
Document ID: 0000490176.
Report illicit content